كفن النبي صلى الله عليه وسلم :
ـ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ ))[1] .
قال الحافظ : رُوِيَ (أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاة وَالسَّلام كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْد حِبَرَة) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث جَابِر وَإِسْنَاده حَسَن , لَكِنْ رَوَى مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث عَائِشه أَنَّهُمْ نَزَعُوهَا عَنْهُ , قَالَ التِّرْمِذِيّ : وَتَكْفِينه فِي ثَلاثَة أَثْوَاب بِيض أَصَحّ مَا وَرَدَ فِي كَفَنه . وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة " لُفَّ فِي بُرْد حِبَرَة جُفِّفَ فِيهِ ثُمَّ نُزِعَ عَنْهُ " يُمْكِن أَنْ يُسْتَدَلّ لَهُمْ بِعُمُومِ حَدِيث أَنَس " كَانَ أَحَبّ اللِّبَاس إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم الْحِبَرَة " أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .[2]
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ ؛ أَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ لِيُكَفَّنَ فِيهَا ، فَتُرِكَتْ الْحُلَّةُ ، وَكُفِّنَ فِي ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ : لأَحْبِسَنَّهَا حَتَّى أُكَفِّنَ فِيهَا نَفْسِي ، ثُمَّ قَالَ : لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا ، فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا ))[3]وعند الترمذي (( فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ فَقَالَتْ قَدْ أُتِيَ بِالْبُرْدِ وَلَكِنَّهُمْ رَدُّوهُ وَلَمْ يُكَفِّنُوهُ فِيهِ ))[4]قال النووي : السَّحُولِيَّة بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا وَالْفَتْح أَشْهَر وَهُو رِوَايَة الأَكْثَرِينَ .
قَالَ اِبْن الأَعْرَابِيّ وَغَيْره : هِيَ ثِيَاب بِيض نَقِيَّة لا تَكُون إِلا مِنْ الْقُطْن , وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : ثِيَاب بِيض , وَلَمْ يَخُصّهَا بِالْقُطْنِ , وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَنْسُوبَة إِلَى سُحُول قَرْيَة بِالْيَمَنِ تُعْمَل فِيهَا
وَقَالَ الأَزْهَرِيّ : السَّحُولِيَّة - بِالْفَتْحِ - مَنْسُوبَة إِلَى سُحُول مَدِينَة بِالْيَمَنِ , يُحْمَل مِنْهَا هَذِهِ الثِّيَاب , وَبِالضَّمِّ ثِيَاب بِيض , وَقِيلَ : إِنَّ الْقَرْيَة أَيْضًا بِالضَّمِّ , حَكَاهُ اِبْن الأَثِير فِي النِّهَايَة .
وَهَذَا الْحَدِيث يَتَضَمَّن أَنَّ الْقَمِيص الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُزِعَ عَنْهُ عِنْد تَكْفِينه , وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب الَّذِي لا يُتَّجَه غَيْره ; لأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ رُطُوبَته لأَفْسَدَ الأَكْفَان .
قَوْله : ( مِنْ كُرْسُف ) هُوَ الْقُطْن . وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب كَفَن الْقُطْن .
قَوْلهَا : ( أَمَّا الْحُلَّة فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاس فِيهَا ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : وَلا تَكُون الْحُلَّة إِلا ثَوْبَيْنِ : إِزَارًا وَرِدَاء .[5]
تغسيل النبي صلى الله عليه وسلم :
عن عَائِشَة قالت : (( لَمَّا أَرَادُوا غَسْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ : أَنْ اغْسِلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ، فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلِّكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَلَهُ إِلا نِسَاؤُهُ ))[6]
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : (( لَمَّا غَسَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ يَلْتَمِسُ مِنْهُ مَا يَلْتَمِسُ مِنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ بِأَبِي الطَّيِّبُ طِبْتَ حَيًّا وَطِبْتَ مَيِّتًا ))[7]
عَنْ عَامِرٍ بن شراحيل قَالَ : (( غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَهُمْ أَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ قَالَ حَدَّثَنَا مَرْحَبٌ أَوْ أَبُو مَرْحَبٍ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا مَعَهُمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ قَالَ إِنَّمَا يَلِي الرَّجُلَ أَهْلُهُ ))[8]
قال في عون المعبود : وَأَمَّا اِبْن شِهَاب فَرَوَى عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب قَالَ : (( إِنَّمَا دَفَنُوهُ الَّذِينَ غَسَّلُوهُ وَكَانُوا أَرْبَعَة عَلِيّ وَالْفَضْل وَالْعَبَّاس وَصَالِح شُقْرَان , قَالَ وَلَحَدُوا لَهُ وَنَصَبُوا اللَّبِن نَصْبًا , قَالَ وَقَدْ نَزَلَ مَعَهُمْ فِي الْقَبْر خَوْلِيّ بْن أَوْس الأَنْصَارِيّ اِنْتَهَى .
الصلاة على سيد الخلق خليل الرحمن صلوات ربي وسلامه عليه :
قال ابن كثير : وقال محمد بن إسحاق: عن ابن عباس : قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا، لم يأمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد .[9]
قال ابن كثير : وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله.
وقال : فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل ليلة الأربعاء ، ونزل في حفرته علي بن أبي طالب والفضل وقثم ابنا عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.[10]
دفن النبي صلوات الله وسلامه عليه :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ قَالَ : مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ ))[11]
عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قَالَ : (( الَّذِي أَلْحَدَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو طَلْحَةَ ، وَالَّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ تَحْتَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَعْفَرٌ : وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَال سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ أَنَا : وَاللَّهِ طَرَحْتُ الْقَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ ))[12]
وفي تحفة الأحوذي : وَرَوَى اِبْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي , وَالْحَاكِمُ فِي الإِكْلِيلِ مِنْ طَرِيقِهِ . وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ : كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ أَخَذَ قَطِيفَةً قَدْ كَانَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ , وَقَالَ وَاَللَّهِ لا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَك فَدُفِنَتْ مَعَهُ .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : (( لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ ، فَقَالُوا : نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاهُ ، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ ، فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ ))[13]
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : (( لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ ، فَقَالَ عُمَرُ : لا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلا مَيِّتًا ، فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللاَّحِدِ جَمِيعًا ، فَجَاءَ اللاَّحِدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دُفِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))[14]
عَنْ سَعْد بن أبي وقاص أنه قَالَ في مرضه : (( الْحَدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))[15]
قال ابن كثير : وولي دفنه عليه الصلاة والسلام وإجنانه دون الناس أربعة، علي والعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولحد للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا، ونصب عليه اللبن نصبًا ، وذكر البيهقي عن بعضهم: أنه نصب على لحده عليه السلام تسع لبنات.[16]
--------------------------------------------------------------------------------
[1] رواه البخاري في كتاب الجنائز باب الثياب البيض للكفن (1264) .
[2] الفتح (3/162) .
[3] رواه مسلم في الجنائز باب في كفن الميت (1563) .
[4] رواه الترمذي في الجنائز باب ما جاء في كفن النبي صلى الله عليه وسلم (917) وقال : حديث صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
[5] شرح مسلم .
[6] رواه أبو داود في الجنائز باب ستر الميت عند غسله (2733) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، وأحمد (25102) .وأخرجه ابن حبان والحاكم .
[7] رواه ابن ماجه في الجنائز باب غسل النبي صلى الله عليه وسلم (1456) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .، وفي الزوائد : إسناده صحيح رجاله ثقات ، ورواه البيهقي في دلائل النبوة .
[8] رواه أبو داود في الجنائز باب كم يدخل القبر (2794) وصححه الألباني في صحيح أب داود
[9] رواه ابن هشام في السيرة ج 4 / 314 ، والبيهقي في دلائل النبوة (7/250) .
[10] البداية والنهاية .
[11] رواه الترمذي في الجنائز (939) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
[12] رواه الترمذي في الجنائز باب الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر (968) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
[13] رواه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الشق (1546) ، وأحمد (11965) ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ، وقال السندي في شرح ابن ماجه : إسناده صحيح .
[14] رواه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الشق (1547) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه ، وفي الزوائد : إسناده صحيح رجاله ثقات .
[15] رواه مسلم في الجنائز (1606) ، وأحمد (1372) ، والنسائي في الجنائز (1980) ، وابن ماجه في الجنائز (1545) .
[16] البداية والنهاية .
فداك نفسي وأبي وأمي يا رسول الله .. عليك أفضل الصلاة وأتم التسليم